التورية في اللغة العربية

تعتبر التورية في اللغة العربية من أقسام علم البديع، وهي من أساليب البلاغة  التي يمكن إدراجها ضمن المحسنات اللغوية.

تعريف التورية في اللغة العربية:

إن التورية وكما أشرنا من الأساليب البلاغية التابعة لعلم البديع، وقد اشتقت كلمة “تورية” من “ورى الشيء” بمعنى أخفاه، وقد أشار إليها يعض المتخصصين على أنها الإيهام أو التخيير أو التوجيه.

فالتورية تعني أن تقول شيء له معنى ظاهر قريب، بينما في الحقيقة أنت تقصد المعنى الباطن البعيد، فعندما يقول الشخص عبارة فيها تورية، يظن المستمع أو المتلقي المعنى الظاهر، ولكن بمجرد التفكّر بالعبارة سيفهم أن المعنى المقصود هو المعنى البعيد لا القريب.

ومن أشهر الأمثلة على التورية التي تستخدم بشكل شائع في العديد من مجتمعاتنا العربية قول “فلان يده طويلة” فالمعنى الظاهر والقريب أن الشخص المطلوب شكل يده طويلة نسبةً إلى أقرانه، في حين أن المعنى الحقيقي المقصود هو المعنى البعيد أي أن فلان سارق.

فالتورية إذاً تستوجب الإتيان بلفظ أو كلمة تحمل معنيان معنى ظاهر وهو الغير مُراد في هذه الحالة، ومعنى خفي وهو المقصود والمُراد بالعبارة.

ولكي نفهم التورية أكثر نشير إلى تعاريف بعض أهم علماء البلاغة لها، ومنهم الخطيب القزويني الذي أشار إلى أنها “الإيهام” بلفظ عبارة توهم المستمع بالمعنى القريب بينما المقصود هو المعنى البعيد.

وقال عنها صلاح الدين الصفدي بأنها “اللفظة المشتركة” التي لها معنى قريب وبعيد، وأن المقصود منها هو المعنى البعيد لا القريب.

مثال عن التورية في اللغة العربية:

من أهم وأشهر الأمثلة عن التورية في اللغة العربية قوله تعالى في الآية 60 من سورة الأنعام: ” وهو الذي يتوفّاكم بالليل ويعلّم ما جرحتم بالنّهار”.

فالمعنى القريب الظاهر هو الجرح الذي يمكن أن يصيب جسم الإنسان، في حين أن المعنى الحقيقي المقصود هو ما ارتكبه الإنسان من معاصي وذنوب.

أنواع التورية في اللغة العربية:

للتورية في اللغة العربية أربعة أنواع، يمكن التعرف عليها من المعنى والسياق الذي يأتي فيه اللفظ أو العبارة، وسنتعرف على هذه الأنواع مع عرض أمثلة تساعدنا على التفريق بين هذه الأنواع.

• التورية المجردة:

هي التورية التي لا يذكر قائلها أي شيء يدل على المورى عنه، أو على المورى به، فهي لا  تقترن بما يتناسب مع المعنيين المُراد وغير المُراد.

وبالتالي لا يمكن أن نستدل على خفايا التورية المجردة بما يناسب أركانها، وكمثال على هذه التورية تعريف أحد الأشخاص عن شخص آخر أمام الحاضرين بقوله “هذا أخي”، وهنا لا يقصد أنه أخاه من أحد  أبويه أو كلاهما، وإنما المقصود أنه أخ في الدين، أو أنه انسان مقرب بمثابة الأخ.

• التورية المرشحة:

وفي هذا النوع من أنواع التورية في اللغة العربية فإن المعنى القريب لا يكون مرغوب وضعيف، ويعتبر من أكثر أنواع التروية تعمقاُ بالتخيير أو الإيهام.

وبهذه التورية يتم ذكر ما يؤشر على المورى به، مع الابتعاد عن المعنى المقصود المورى عنه المحتجب والمتخفي بشكل أكبر، وكمثال على هذا النوع قوله تعالى في الآية 47 من سورة الذاريات “والسماء بنيناها بأييدٍ”.

فكلمة ” بأييدٍ” لا يقصد بها المعنى الظاهر وهي اليد التي تعتبر من أعضاء جسم الإنسان، وإنما المقصود هو المعنى البعيد وهو القدرة والاستطاعة.

• التورية المبيّنة:

وفي هذه التورية يتم ذكر لازمة المورى عنه، وذلك بما يسمح للمخاطب أن يهتدي ويتبيّن ما هو المقصود من العبارة من خلال اللازمة، بحيث يبقى المورى عنه مخفي دون ذكر هذه اللازمة التي توضح المعنى المقصود.

وكمثال عن التورية المبيّنة نذكر قول الشاعر: “أَرى ذنب السرحان في الأفق ساطعاً فهل ممكن أن الغزالة تطلع”.

فلفظ “السرحان” بمعناه الظاهر هو الذئب، بينما المُراد هو نجم بالسماء، واللازمة التي أظهرت المعنى وكان سيبقى خفياً دونها هي عبارة (في الأفق ساطعاً).

كما أن لفظ “الغزالة” تشير بمعناها القريب إلى الغزالة وهي من الحيوانات المعروفة، ولكن مع لازمة “تطلع” ظهر المعنى الحقيقي بأن المقصود من الغزالة هو الشمس.

• التورية المهيأة:

وهي التورية التي تشمل على عدة دلائل تساعد على فهم التورية بشكل كامل، ولا يقتصر ذلك على ركن واحد دون بقية الأركان.

وهنا تهيأ التورية إما بلفظ قبلها أو بلفظ بعدها، وربما تكون مهيأة بلفظين أحدهما قبلها والآخر بعدها، ودون هذه التهيأة لا يمكن فهم المقصود.

وكمثال عن التورية المهيأة ما قاله ابن سناء الملك: ” وأظهرت فينا من سميك سنة فأظهرت ذاك الفرض من ذاك الندب”.

فالمعنى الظاهر للندب والفرض أنهما من الأحكام الشرعية، في حين ان المعنى المقصود هو وصف للإنسان الذي يقضي الحوائج بسرعة، وقد فُهم هذا النوع من أنواع التورية في اللغة العربية من خلال كلمة “سنة”، التي لم يكن المعنى المقصود سيدرك دونها.

طالع أيضا : 6 أدوات تقنية ضرورية لطلاب الكلية